هو العظيم سبحانه، لا يخفى عليه شيء من خلقه، سميع لهم، بصير بهم، مطلع علي اقوالهم، يغفر الذنب، ويستر العيب، ويفرج الكرب، يعلي الحق، ويبطل الباطل، ينصر المظلوم ويقسم الظالم، يجيب الدعوات ويقضي الحاجات، ويغفر الزلات، وسعت رحمته كل شيء، يتراحم الخلائق برحمته، لا تأخذه سنة ولا نوم، حي قيوم، لا إله إلا هو، وهو الخلاق العليم.
إنه سبحانه غنى عما سواه، تفتقر الخلائق إليه في جميع أحوالها، يجيب دعوة المضطر فيسعد بعد حزن، ويعطي السائل، فيشبع بعد جوع، ويشفي سقيما ويغني فقيرا ويقوي ضعيفا.
يذهب اليأس والقنوط من القلوب بإجابته لحاجة السائلين التي لا تنقطع، فيعطي أقواما اليوم القوة وفي يوم آخر يهلكهم إذا هم تجبروا بها وإستعلوا على خلقه، أو يسحبها منهم في ساعة مرض أو تعب.
يعز من يشاء، ويذل من يشاء، فالأمور لا تبقى للعبد على حال واحد، بل تغير دائم وتقلب مستمر وهي تذكرة لأولي الإبصار لإغتنام أوقات الرخاء والقوة والصحة والغنى فنستمسك بالإيمان به سبحانه.
فالله سبحانه بقدرته يعطي ويمنع، يرشد الضال، ويرد الغائب، ويهدي الحائر، ويجبر الكسير، ويرد المعتدي، ويسحق الباطل، وينصر الحق.
تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: {كل يوم هو في شأن} فقلنا يا رسول الله وما ذاك الشأن؟ قال: «أن يغفر ذنبا ويفرج كربا، ويرفع قوما ويضع آخرين».
ذلك الوصف الدال علي قدرته، فلا يقع شيء للخلائق إلا بإذنه، فهو كل يوم في شأن، يخفض ويرفع، يقبض ويبسط، يولي ويخلع، يحيى ويميت.
وهو سبحانه يغير أحوال خلقه على إعتبار سننه في كونه، وعلى إعتبار إيمانهم به، فقد قضى في كونه مجازات المحسن، وإجزاء المجتهد، وأن من زرع حصد ومن جد وجد، كما قضى سبحانه أن يختبر المؤمنين في أنفسهم وأموالهم، ويختبرهم في دينهم ليميز الخبيث من الطيب ويرفع درجات من يستحق ويعدل بين الناس في الجزاء والثواب ولتبين أسماؤه الحسنى وصفاته العلى سبحانه ويعلمها الناس.
نحن نحتاج إلى الوقوف مع أنفسنا، لإصلاح قلوبنا وعيوبنا، ونضع أنفسنا أمام محاسبة جادة ننقي فيها صدورنا، ونعيد فيها ترتيب صفحتنا الصادقة التي نرجو أن يعاملنا الله سبحانه على إعتبارها، نتخلص من شوائب الدنيا وحبها والركون إليها، ولا نعاتب من حولنا قبل أن نعاتب أنفسنا، يقول الله تعالي {ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدى الناس ليذيقهم بعض الذى عملوا لعلهم يرجعون} [الروم:41].
إنه سبحانه لا تخفى عليه خافية من أعمال عباده، فكل حركة وكل لفظة هي معلومة ومدونة في سجلات يوم الحساب، وإنما يجب علينا أن نتواصى بذلك ونتعامل على إعتباره، فإذا تقابلنا فلا غيبة ولا زور ولا بهتان، وإذا تحاورنا فلا خصام ولا شجار وإذا تقاسمنا فلا جور ولا طغيان، يقول الله تعالي {ووضع الكتاب فترى المجرين مشفقين مما فيه ويقولون ياويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا} [الكهف:49].
لقد حكى لنا رسولنا الكريم صلي الله عليه وسلم أن إمرأة دخلت النار في هرة، ربطتها فلا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض حتي ماتت، فعلينا ألا نحقر صغيرة من الذنوب مخافة أن نكب بها على وجوهنا، وألا نحقر من الطاعة شيئا عسى أن يرفعنا الله تعالى بها، يقول بلال بن سعد رحمه الله: لا تنظر إلي صغر الخطيئة ولكن أنظر إلي من عصيت، والله تعالي يرفع الأقوام بجهدهم وإجتهادهم وصالح أعمالهم، إن الله تعالي لا يضيع أجر من أحسن عمله "، ويقول الله تعالي {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا} [العنكبوت:69].
إن سنن الكون وقوانين الحياة لتبث التفاؤل في قلوب الجميع مهما وجدوا من تقلبات سلبية في حياتهم، فإن العسر يتبعه اليسر، والظلام يتبعه النور، وإن الضيق يتبعه الفرج، والله سبحانه يبشر الضعيف والمظلوم والمكلوم، ويملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته.
الكاتب: أميمة الجابر.
المصدر: موقع المسلم.